الدولة الأصالة
و المعاصرة هل الأصالة شرط كاف لاستمرار الأمة؟
مقدمة: استقراء واقع الشعوب اليوم يؤكد أنها ليست على مستوى
واحد من التقدم والرقي الحضاري فالبعض منها انغلق على نفسه بدافع التمسك بالأصالة والبعض
الآخر رفع شعار التفتح على الآخر والعمل على ملاقاة الحضارات الأخرى وآمن بمنطق المعاصرة
وبين هذا وذلك طرح ويطرح السؤال: هل تتطور الأمة في ظل الأصالة أم المعاصرة؟
الرأي الأول: إن الشرط الأساسي والوحيد لتطور الأمة هو تمسكها
بتراثها وجميع مظاهر ثقافتها وعند أنصار هذا الرأي الأصالة تشكل الهوية التي تميز الأمة
ومن ثمة تمنحها قوة استمرار في الوجود وما يميزها هو اللغة مثلا والقيم الأخلاقية والاجتماعية
والدينية وهذا ما أكده فيخته بقوله: (إن الذين يتكلمون لغة واحدة يكونون كلا واحد ربطته
الطبيعية بروابط متينة وإن كانت غير مرتبة) ومن حججهم أنه إذا كانت الأصالة تمثل الأصول
والجذور فمن لا أصالة له لا تاريخ ولا ثرات له والواقع يثبت أنه لا ينقصه إلا في ظل
التمسك بالثوابت التاريخية، عن الأمة التي فقدت تاريخها قد فقدت شعورها وأصبحت في حالة
نسيان وإن لم تفقد الحياة أما إذا فقدت نفسها تكون قد فقدت الحياة ودخلت في عداد الأموات.
النقد: لكن الأصالة وحدها تؤدي إلى الانغلاق فتتحول الأمة
إلى مجرد هيكل بلا روح
الرأي الثاني: عند أنصار هذا الرأي المعاصرة هي مزامنة العصر والتكيف
مع مستجداته من علوم وتكنولوجيا وقيم، دافع عن هذا الطرح في الفكر والأدب طه حسين وقاسم
أمين حيث طالب الأول باستعارة الأسلوب الديكارتي في التفكير ويظهر هذا في كتابه نقد
الشعر الجاهلي أما الثاني فقد رأى أن الخطوة الأساسية هي تحرير المرأة، مثل هذا الاتجاه
المفكر المصري زكي نجيب محمود في بداية مستواه الفكري مطالبا بضرورة الاعتماد على النزعة
المنطقية الوضعية ورفض الاطروحات الميتافيزيقية أما في مجال السياسة فتظهر محاولة كمال
أتاتورك واضحة في دفاعه على منطق المعاصرة من خلال الأخذ بأسلوب غربي في جميع المجالات
كما يقف دعاة الإدماج في صف المعاصرة المتطرفة.
النقد: المعاصرة وحدها تؤدي إلى الذوبان مما يفقد الأمة
شخصيتها الوطنية
التركيب: رأى فرنسيس بيكون أن الوهم يظلل الإنسان عن الفكر
الصحيح وهو ما أطلق عليه اسم أوهام المسرح ومنه الأصالة والمعاصرة في شكلهما المتطرف
بحق قمة الوهم والسذاجة، قال الدكتور (حسن حنفي) في كتابه قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر(الأصالة
المتطرفة هي اعتزاز بالماضي بدافع من التشبث به والتعصب له...إنهم يرون الحاضر في مرآة
الماضي) ومنه الأصالة الحقيقية لا تمنع الأمة من المشاركة في الإبداع الحضاري، فالأصالة
الحقيقية هي إتحاد بالواقع نفسه وإعادة تفسير للقديم كلية لخدمة هذا الواقع...كما أن
المعاصرة هي الأخذ بالنظرة العلمية وليس الأخذ بكل ماهو حديث دون تمييز...أن منطق الأصالة
والمعاصرة هو فحص القديم وإخضاعه لمنهج التحليل فهو يعلم حدوده التي لا تتعدى النقد
والتقويم قال: (إن لعلى علم لأن هناك شيئا اسمه التراث ولكن قيمته عندي أنه مجموعة
من وسائل تقنية يمكن أن نأخذها عن السلف لنستخدمها اليوم ونحن آمنون بالنسبة إلى ما
إستحدثناه من طرق جديدة).
الخاتمة: مجمل القول أن الحديث عن شروط النهضة عند الأمم هو
حديث في المقام الأول عن إشكالية (الأصالة و المعاصرة ) في هذا المقال استطعنا تمييز
أطروحتين واحدة رأت أن خصوصيات الأمة تقتضي الحفاظ على هويتها و الأخرى دافعت عن ضرورة
الإنفتاح بين الحضارات ومن منطلق ان استمرار الأمة في الجود و قدرتها على الإبداع الحضاري
يجب ان يرتبط برؤية نقدية توازن فيه الذات بين الأصالة والمعاصرة
نستنتج : الأصالة و حدها
لا تكفي مالم تقترن بالمعاصرة كما ان الأصالة الحقيقية لا تمنع الأمة من المشاركة في
الإبداع الحضاري.
---------------------------------------------------